الأحد، 15 يناير 2012

المافيا والسياسة


نجد في الموسوعة الإلكترونية الحرة «ويكبيديا» أن تاريخ كلمة المافيا يرجع إلى القرن الثالث عشر مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282م ، حيث تكونت في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزاة الفرنسيين كان شعارها : Morte Alla Francia Italia Anelia ويعني (موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا) فجاءت كلمة مافيا MAFIA ) من أول حرف من كلمات الشعار..ويذكر بعض زعماء المافيا وعلى رأسهم جوبونانو بما لا يختلف مع التعريف السابق سوى في الدوافع ،أن بداية المافيا كانت تتويجاً للتمرد والعصيان الذي ظهر بصقلية عقب قيام أحد الغزاة الفرنسيين بخطف فتاة في ليلة زفافها ، يوم إثنين من عام 1282 م ، مما أشعل نار الإنتقام في صدور الإيطاليين والتي امتدت لهيبها من مدينة إلى أخرى ، فقاموا بقتل عدد كبير من الفرنسيين في ذلك الوقت إنتقاماً لشرفهم المذبوح في هذا اليوم المقدس لديهم ، وكان شعارهم في ذلك الوقت هو الصرخة الهستيرية التي صارت ترددها أم الفتاة وهي تجري وتبكي في الشوارع كالمجنونة، وهو ما جعل فرع المافيا بجزيرة صقلية بإيطاليا من أشهر فروع المافيا في العالم عبر التاريخ ، حيث كانت صقلية هي المهد والمنطلق، وهناك من يعود بتاريخ التأسيس إلى القرن السابع عشر حيث تشكلت مجموعة صقلية كمجموعة سرية تعارض حكام الجزيرة الإسبان، وبالتالي سواء تعلق الأمر بالغزاة الفرنسيين أو الإسبان فإن صقلية كانت هي المنطلق والدافع هو التحرر من الغزاة الأجانب ، ومع نهاية القرن التاسع عشر أضحت المافيا القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المسيطرة في غربي صقلية، وكانت في بادئ الأمر اختصت في أعمال الحماية والابتزاز في منطقة بالرمو وما حولها من مزارع الليمون والبرتقال ، وضمت بين طياتها بعض من أفراد الارستقراطية الحاكمة ، حيث انقسم المجتمع في بداية الدولة الإيطالية الناشئة إلى الساسة وأصحاب الأراضي ودخلت المافيا بين هذين الفريقين كما كانت المحرك للعديد من أفراد الحكومة ورجال الأعمال ، ويتبع أفرادها شفرة خاصة تسمى أومرتا تمنع إفادة الشرطة بالجريمة ، هذا هو ما تؤكده موسوعة ويكبيديا ومصادر أخرى.
بين التأسيس وأسباب التأسيس وكيف تطورت المافيا في كل ربوع الأرض ، جرت تغييرات عميقة وإتخذت المافيا طابعا محليا من بلد إلى آخر ، لكن ظلت البنية السرية والتنظيم المحكم والسعي إلى تحقيق مكاسب وغايات خارج القانون وذلك بالسيطرة على القضاء والإدارة والمال ، والتحكم في القرارات السياسية سواء عبر المشاركة المباشرة أو دعم مرشحين معينين ومن أحزاب مختلفة ، لكنهم جميعا يحتفظون بالولاء لقيادة المافيا ويخدمون مشاريعها ، بل إن المافيا تقدم سيولة مالية وعمولات كبيرة ، دون المرور بالأبناك وغيرها من وسائل التمويل الشرعية وحتى بدون ضمانات قانونية ، لأن المافيا لا تعترف بالقانون وقادرة على حماية مصالحها بقوة السلاح في المكان والزمان الذي تريده ، بل إن شبكات المافيا كانت عبارة عن مكاتب خلفية لعدد من أجهزة المخابرات الداخلية والخارجية في العديد من بلدان العالم ، وفي كثير من الأحيان كانت تلعب لمصالحها الخاصة وفي أحسنها كانت تلعب دورا مزدوجا ، ومع عولمة الإرهاب إزداد نشاط المافيا التي ترعى كل أنواع التجارة الممنوعة سواء تعلق الأمر بالرقيق أو الدعارة أو السلاح أو المخدرات ، فكانت المافيا هي من يدعم التوترات العسكرية والمسلحة في أكثر مناطق العالم سخونة ، وذلك عندما تكون الحكومات ذات المصالح محرجة أو أنها تحت الأضواء الكاشفة.
إن أسوء ما يمكن أن يقع في بلد معين هو أن تنتقل المافيا من الضغط لتحقيق مصالحها أو ترقية مشاريعها وبعضا من أفرادها ، إلى مستوى أخطر يتعلق بالتحكم في مؤسسات الدولة وبالتالي في سيادتها ، هذا النوع من المافيا والاختيار لا يمر سوى عبر الانتخابات ، حيث نلاحظ منذ سنوات أن المشهد السياسي المغربي مثلا أصبح رهينا بعملية فساد مالي كبيرة جدا ، والجميع في المجالس المغلقة وفي الفضاء العمومي يتحدث عن ملايير الدراهم التي يتم صرفها بمناسبة الانتخابات ، حيث أصبحت الانتخابات أحدث صيحات تبييض الأموال خاصة أموال المخدرات .
في هذا السياق يقول الخبير الأمريكي ديفيد غوتيليس من جمعية «إيشتراك» للاستشارات حسب ما نشرته الصحافة سنة 2009 ، خلال جلسة استماع أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية حول إفريقيا بمجلس الشيوخ، أن أباطرة المخدرات في أمريكا اللاتينية يستعملون إفريقيا، منذ خمس سنوات، كممر لتهريب المخدرات إلى أوروبا. وأضاف أن «الطلب الأوروبي المتزايد والفعالية الكبيرة التي أبان عنها أباطرة المخدرات بأمريكا اللاتينية في نقل المخدرات إلى وعبر موانئ في غرب إفريقيا أدت إلى تصاعد عمليات التهريب من حيث القيمة والحجم ، وجدد هذا الخبير تحذيره من أن عمليات التهريب هذه تشكل «التهديد الأكبر للاستقرار الإقليمي» بل وأكثر من التهديد الذي قد تشكله بعض التنظيمات المتطرفة...
عادل بن حمزة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق